جديد المقالات

التعليم الصريح في تدريس الرياضيات والعلوم: مقاربة أكاديمية بين النظرية والتطبيق

 

التعليم الصريح في تدريس الرياضيات والعلوم: مقاربة أكاديمية بين النظرية والتطبيق

مقدمة

يُعدّ التعليم الصريح (Explicit Instruction) من أكثر الاستراتيجيات التعليمية فاعلية في تطوير مهارات التعلم والفهم العميق لدى الطلاب، خصوصًا في المواد ذات الطابع التجريدي مثل الرياضيات والعلوم.
في زمن تتسارع فيه التطورات المعرفية والتكنولوجية، أصبح من الضروري أن تتبنى العملية التعليمية طرائق تدريسية واضحة وممنهجة تضمن الفهم الحقيقي للمفاهيم وليس مجرد حفظها.
يُركز التعليم الصريح على الوضوح، النمذجة، التدرج، الممارسة، والتغذية الراجعة، وهي مكونات تُمكّن المتعلم من الانتقال من الفهم النظري إلى التطبيق العملي بثقة واستقلالية.

أولًا: مفهوم التعليم الصريح

يُعرّف التعليم الصريح بأنه أسلوب تدريس يقوم على تقديم المعرفة والمهارات بشكل منظم وواضح ومباشر، بحيث يوجّه المعلّم المتعلمين خطوة بخطوة حتى يصلوا إلى مرحلة الأداء المستقل.
ويختلف هذا الأسلوب عن التعلم بالاكتشاف أو التعلم غير الموجّه، إذ يعتمد التعليم الصريح على التوضيح العملي والنمذجة المتكررة، مع توفير فرص كافية للتدريب والممارسة.

في الرياضيات والعلوم، تُعد المفاهيم المجردة والرموز والعمليات التجريبية من أكثر ما يحتاج إلى توجيه واضح، لذا فإن التعليم الصريح يُعدّ أداة أساسية لتمكين الفهم العميق وتجنب المفاهيم الخاطئة.

ثانيًا: أهمية التعليم الصريح في تدريس العلوم والرياضيات

تأتي أهمية التعليم الصريح في هذه المواد من كونها تعتمد على التسلسل المنطقي والفهم العميق للعلاقات بين المفاهيم.
ففي الرياضيات، لا يمكن للتلميذ حل المسائل أو بناء استراتيجيات التفكير الحسابي دون أن يفهم النماذج والخطوات الدقيقة.
وفي العلوم، يحتاج المتعلم إلى ملاحظة الظواهر وفهم المفاهيم العلمية التجريبية بطريقة منظمة تعتمد على التوجيه التدريجي.

يساهم التعليم الصريح في:

  • رفع مستوى الفهم المفاهيمي لدى المتعلمين.
  • تنمية مهارات التفكير العلمي والمنطقي.
  • تعزيز التحصيل الدراسي في المواد العلمية.
  • تقليل الفجوة بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي.

ثالثًا: المبادئ الأساسية للتعليم الصريح

يتأسس التعليم الصريح على مجموعة من المبادئ التربوية التي تجعل العملية التعليمية أكثر فاعلية، وأبرزها:

  1. وضوح الهدف التعليمي: يجب أن يعرف الطالب ما الذي سيتعلمه ولماذا.
  2. النمذجة (Modeling): يعرض المعلّم كيفية أداء المهارة أو حل المشكلة أمام الطلاب.
  3. التدرّج في التعلم: ينتقل الطالب من التعلم الموجّه إلى التعلم المستقل تدريجيًا.
  4. الممارسة المتكررة: يُمنح المتعلم فرصًا كافية لتطبيق المفهوم في سياقات متنوعة.
  5. التغذية الراجعة الفورية: يتلقى الطالب تصحيحًا وتوجيهاً أثناء التعلم وليس بعده.

رابعا: مراحل تطبيق التعليم الصريح في دروس العلوم والرياضيات

يُنفّذ التعليم الصريح من خلال مراحل منظمة يمكن تلخيصها كما يلي:

1. مرحلة التهيئة (Preparation)

يبدأ المعلّم بإثارة دافعية الطلاب من خلال طرح أسئلة تمهيدية، وربط الدرس بخبراتهم السابقة.
مثلاً في الرياضيات، يمكن للمعلم أن يسأل: "هل لاحظتم كيف نحسب مساحة أشكال غير منتظمة؟"، وفي العلوم: "لماذا تذوب بعض المواد في الماء وأخرى لا؟".

2. مرحلة العرض (Presentation)

يشرح المعلّم المفهوم الجديد بوضوح مستخدمًا أمثلة محسوسة، ورسومات، وتجارب مبسطة.
في هذه المرحلة، يُستخدم التمثيل البصري والمقاطع التوضيحية لتثبيت المفهوم.

3. مرحلة النمذجة (Modeling)

يعرض المعلّم خطوة بخطوة كيفية حل مسألة أو إجراء تجربة علمية، موضحًا التفكير الذي يقف وراء كل خطوة.
مثلاً: "أفكر أولاً في تحديد المعطيات، ثم أختار القانون المناسب…".

4. مرحلة الممارسة الموجهة (Guided Practice)

يشارك الطلاب في حل مسائل أو تجارب بإشراف المعلّم، حيث يُوجّههم ويقدّم الدعم الفوري عند الحاجة.

5. مرحلة الممارسة المستقلة (Independent Practice)

ينتقل المتعلم إلى التطبيق الفردي دون مساعدة، مما يُظهر مدى استيعابه للمهارة.

6. مرحلة التقويم والتغذية الراجعة (Evaluation & Feedback)

يقوّم المعلّم أداء الطلاب من خلال أنشطة أو اختبارات قصيرة، ويقدّم ملاحظات تفصيلية لتعزيز الفهم وتصحيح الأخطاء.

خامسًا: دور المعلّم والمتعلّم في التعليم الصريح

في التعليم الصريح، يتحوّل المعلّم من ناقل للمعلومة إلى موجّه ومنظّم لعملية التعلم.
أما المتعلم، فهو شريك نشط يشارك في النقاش والممارسة ويتدرّب على التفكير العلمي المنظم.

دور المعلّم:

  • التخطيط المسبق للدرس بوضوح ودقة.
  • استخدام وسائل تعليمية متنوعة.
  • تقديم النماذج العملية
  • المتابعة الفردية لكل متعلم.

دور المتعلّم:

  • المشاركة الفاعلة في الممارسة.
  • طرح الأسئلة والتفاعل مع المعلم.
  • تطبيق ما تعلمه في مواقف جديدة.

سادسًا: مقارنة بين التعليم الصريح والتعليم بالاكتشاف

العنصرالتعليم الصريحالتعليم بالاكتشاف
الأسلوبمباشر ومنظمقائم على الاستكشاف الذاتي
دور المعلمقائد وموجهميسّر ومحفّز
دور المتعلممتلقٍ نشطمكتشف ذاتي
الزمن المطلوبأقل نسبيًاأطول زمنيًا
النتائجفاعلية سريعة وواضحةفهم أعمق على المدى الطويل

من هنا، يمكن القول إن التعليم الصريح هو الأنسب في مراحل التعليم الأولى، بينما يصبح التعلم بالاكتشاف أكثر فاعلية في المراحل المتقدمة.

سابعًا: أثر التعليم الصريح على التحصيل الدراسي والفهم العلمي

تشير الدراسات الحديثة إلى أن التعليم الصريح يساهم في رفع مستوى التحصيل الدراسي بشكل ملحوظ، خاصة في المواد العلمية.
فقد أظهرت أبحاث تربوية (Swanson & Hoskyn, 2021) أن الطلاب الذين تلقّوا دروسًا بطريقة التعليم الصريح أحرزوا تقدمًا بنسبة 20% إلى 30% في اختبارات الفهم والتحليل مقارنة بنظرائهم الذين تعلموا بطرق تقليدية.
كما يساهم التعليم الصريح في تعزيز الذاكرة طويلة الأمد والتفكير التحليلي وحل المشكلات.

ثامنًا: التحديات التي تواجه تطبيق التعليم الصريح

رغم فعالية التعليم الصريح، إلا أن تطبيقه يواجه بعض الصعوبات، منها:

  • الحاجة إلى تدريب المعلّمين على مهارات التخطيط والتنفيذ.
  • ضيق الوقت في الجداول الدراسية.
  • اعتماد بعض المعلّمين على التلقين بدلاً من التفاعل.
  • ضعف الإمكانات التقنية أو الأدوات البصرية في بعض المدارس.

تاسعًا: التعليم الصريح في ضوء التكنولوجيا الحديثة

أصبحت الوسائل الرقمية والمنصات التفاعلية أداة مساعدة قوية لتطبيق التعليم الصريح، مثل:

  • الفيديوهات التعليمية الموجهة.
  • السبورات التفاعلية.
  • الأنشطة الرقمية (مثل Quizizz وKahoot).
  • أنظمة إدارة التعلم (مثل Google Classroom).

دمج هذه الأدوات يجعل التعليم الصريح أكثر جاذبية وتفاعلية، ويُسهِّل المراقبة الفردية لأداء التلاميذ.

عاشرًا: التوصيات التربوية

  1. تدريب المعلمين على تصميم دروس التعليم الصريح بفاعلية.
  2. دمج التكنولوجيا لتسهيل تطبيق الاستراتيجية.
  3. استخدام التغذية الراجعة الفردية لتطوير الأداء.
  4. تخصيص حصص للتطبيق العملي في الرياضيات والعلوم.
  5. إجراء مزيد من الدراسات حول أثر التعليم الصريح في البيئات الرقمية.

خاتمة

يُعد التعليم الصريح من أكثر الأساليب التعليمية ملاءمةً لتدريس العلوم والرياضيات، حيث يجمع بين التنظيم، والوضوح، والتدرّج في بناء الفهم.
يساعد هذا الأسلوب الطلاب على الانتقال من الفهم السطحي إلى التفكير العلمي المتعمق، ويعزز قدرتهم على تطبيق ما يتعلمونه في الحياة اليومية.
وفي ظل التحول نحو التعليم الرقمي، يبرز التعليم الصريح كخيار استراتيجي يوازن بين التفاعل الإنساني والدعم التكنولوجي.

المراجع (2020–2024)

  1. Swanson, H. L., & Hoskyn, M. (2021). Explicit instruction and cognitive development in mathematics learning. Journal of Educational Psychology, 113(4), 587–603.
  2. Rosenshine, B. (2022). Principles of Instruction: Research-based Strategies That All Teachers Should Know. Educational Practices Series.
  3. Archer, A. L., & Hughes, C. A. (2020). Explicit Instruction: Effective and Efficient Teaching. The Guilford Press.
  4. National Research Council (2023). Science Learning in the Digital Age: The Role of Explicit Teaching. Washington, DC: The National Academies Press.
  5. Mahmoud, A. (2024). “The Effectiveness of Explicit Instruction in STEM Education.” International Journal of Modern Education Research, 6(2), 45–59.
الكاتب
الكاتب