جديد المقالات

البنك الدولي ومشروع المؤسسة الرائدة: تمويل من أجل الحد من فقر التعلّم في التعليم الابتدائي المغربي

البنك الدولي ومشروع المؤسسة الرائدة

مقدمة

يُعتبر التعليم الابتدائي أحد الأعمدة الجوهرية لأي سياسة تنموية مستدامة، لأنه يشكّل القاعدة الأساسية لتكوين رأس المال البشري. ومن ثمّ فإن جودة التعليم في هذه المرحلة تحدد إلى حد كبير مخرجات المنظومة التربوية بأكملها، ومستقبل الأجيال في سوق العمل والمواطنة الفاعلة.

في المغرب، شكّلت العقود الأخيرة مرحلة تحوّل في مقاربة إصلاح التعليم، إذ انتقل النقاش من قضية تعميم التمدرس إلى قضية جودة التعلّم. فبعد نجاح الدولة في رفع نسب الالتحاق بالمدرسة، بات التحدي الرئيسي اليوم هو ضمان أن يتمكن كل تلميذ مغربي من اكتساب المهارات الأساسية في القراءة والكتابة والحساب في السنوات الأولى من التعليم الابتدائي.

إلا أن تقارير متعددة، أبرزها تقارير البنك الدولي، كشفت عن استمرار ما يُعرف بـ“فقر التعلّم (Learning Poverty)” — وهو مصطلح يعني أن نسبة كبيرة من الأطفال في سن العاشرة لا يستطيعون قراءة نص بسيط وفهمه. وفي الحالة المغربية، تُظهر أحدث التقديرات (2024) أن حوالي 60٪ من التلاميذ المغاربة في نهاية المرحلة الابتدائية لا يتقنون هذه المهارة الأساسية.

استجابةً لهذا التحدي، أطلق المغرب عدة برامج إصلاحية كبرى، أبرزها برنامج دعم التعليم (Education Support Program – P167619) المموّل من البنك الدولي، والذي مثّل نقلة نوعية في فلسفة تمويل التعليم، حيث اعتمد على مبدأ التمويل مقابل النتائج (Program-for-Results – PforR).
وبالتوازي، تم تطوير مشروع المؤسسة الرائدة (École Pionnière) ليكون الترجمة الميدانية لهذه المقاربة، من خلال جعل المدرسة وحدة إصلاح وتمويل ومساءلة تربط الأداء التعليمي بالتحفيز المالي.

يهدف هذا المقال إلى تحليل العلاقة بين التمويل الدولي من طرف البنك الدولي وإصلاح التعليم الابتدائي المغربي، مع التركيز على آليات التمويل، ومؤشرات الأداء، والتقاطعات بين المشاريع الممولة، خاصة في سياق مشروع المؤسسة الرائدة.

أولًا: التمويل الدولي للتعليم – رؤية البنك الدولي

1. من “التعليم للجميع” إلى “التعلّم للجميع”

منذ مطلع الألفية الثالثة، كان شعار المنظمات الدولية هو “التعليم للجميع (Education for All)”، حيث ركّزت الجهود على ضمان ولوج كل الأطفال إلى المدرسة. إلا أن التجارب أظهرت أن التعليم لا يساوي التعلّم، وأن ملايين الأطفال حول العالم يدرسون دون أن يتعلموا فعليًا.

في هذا السياق، تبنّى البنك الدولي منذ سنة 2018 رؤية جديدة تمثلت في شعار:

“Learning for All” – أي التعلّم للجميع بدل التعليم للجميع.
(World Bank, World Development Report: Learning to Realize Education’s Promise, 2018)

تقوم هذه الرؤية على قناعة أساسية مفادها أن الاستثمار في التعليم لا يُقاس بعدد المدارس أو المعلمين فقط، بل بما يتعلمه التلاميذ فعليًا داخل الفصول الدراسية.

2. مفهوم فقر التعلّم كأداة للقياس

قدّم البنك الدولي ومعهد اليونسكو للإحصاء (UIS) سنة 2019 مؤشرًا جديدًا هو مؤشر فقر التعلّم (Learning Poverty Index)، الذي يقيس نسبة الأطفال في سن العاشرة غير القادرين على قراءة نص بسيط وفهمه.
يهدف هذا المؤشر إلى دمج بُعدي الولوج وجودة التعلم في مقياس واحد، بحيث يتم تقييم فعالية المنظومات التعليمية بناءً على قدرتها على تمكين التلاميذ من المهارات الأساسية.

في المغرب، استُخدم هذا المؤشر لتشخيص التحديات الكبرى التي تعيق جودة التعليم الابتدائي. وقد أظهرت النتائج أن “فقر التعلّم” ما زال مرتفعًا رغم التقدم في نسب التمدرس، وهو ما دفع البنك الدولي إلى دعم مشاريع إصلاحية جديدة قائمة على الأداء والنتائج.

3. التحول نحو التمويل الموجّه بالنتائج

تاريخيًا، كانت مشاريع البنك الدولي في قطاع التعليم تعتمد على قروض استثمارية كلاسيكية تموّل بناء المدارس وتجهيزها أو طباعة الكتب. غير أن تقييم هذه المشاريع أظهر أن زيادة الإنفاق لا تعني بالضرورة تحسين جودة التعلم.
لذلك، تم استحداث آلية جديدة سنة 2012 تُعرف بـProgram-for-Results (PforR)، تقوم على مبدأ ربط التمويل بتحقيق نتائج تربوية محددة وقابلة للقياس.

وفقًا لهذه المقاربة:

  • لا تُصرف الدفعات المالية إلا بعد تحقق مؤشرات الأداء المتفق عليها؛
  • تُمنح الحكومات حرية تنفيذ البرامج بوسائلها الوطنية؛
  • يُركّز التقييم على النتائج التعليمية بدل الإجراءات الإدارية.

وتُعدّ تجربة المغرب في هذا المجال من أبرز النماذج التي طبقت هذا النهج في العالم العربي والإفريقي، خصوصًا في قطاع التعليم الابتدائي.

ثانيًا: شبكة المشاريع الممولة من البنك الدولي في المغرب

1. برنامج دعم التعليم (Education Support Program – P167619)

في عام 2019، صادق البنك الدولي على تمويل ضخم بقيمة 500 مليون دولار أمريكي للمغرب، لتنفيذ برنامج “دعم التعليم”، وهو أول مشروع تعليمي في البلاد يعتمد بالكامل على آلية التمويل مقابل النتائج (PforR).

يرتكز البرنامج على ثلاثة مكونات استراتيجية:

  1. تعميم التعليم الأولي وتحسين جودته، بهدف ضمان تكافؤ الفرص منذ الطفولة المبكرة.
  2. تحسين التعلمات الأساسية في التعليم الابتدائي، من خلال تطوير ممارسات التدريس وتكوين المعلمين.
  3. تعزيز حكامة المؤسسات التعليمية عبر تفعيل مشروع المؤسسة كأداة لتدبير الأداء التربوي والمالي.

ويهدف البرنامج إلى خلق تحول نوعي في نظام التعليم المغربي من خلال جعل نتائج التعلم محورًا للتمويل والسياسات.

جاء في وثيقة البنك الدولي الخاصة بالمشروع:
“يهدف البرنامج إلى دعم الحكومة المغربية في تحسين نواتج التعلّم، من خلال تعزيز جودة التعليم الأولي، وتحسين الممارسات التربوية، وتفعيل حكامة قائمة على النتائج.”
(World Bank, Program Appraisal Document – Morocco Education Support Program, P167619, 2019, p.4)

2. آلية الصرف ومؤشرات الأداء (DLIs)

خلافًا للقروض التقليدية، لا تُمنح الموارد المالية في هذا البرنامج دفعة واحدة، بل تُصرف وفق نظام يُعرف بـمؤشرات الصرف المرتبطة بالأداء (Disbursement Linked Indicators – DLIs).

من بين أهم هذه المؤشرات:

  • ارتفاع نسبة التلاميذ الذين يتقنون مهارات القراءة في الصف الثالث الابتدائي.
  • ارتفاع عدد المؤسسات التعليمية التي تطبق “مشروع المؤسسة” وفق المعايير الجديدة.
  • تحسين جودة التكوين المستمر للمعلمين في مجال التعلمات الأساسية.
  • إنشاء نظام وطني لتقييم التعلم في السنوات الأولى من الابتدائي.

عند تحقيق كل مؤشر، تُصرف دفعة مالية محددة من قرض البنك الدولي عبر وزارة الاقتصاد والمالية، التي تراقب بدورها الالتزام بالنتائج.

هذه المقاربة جعلت من التعلم ذاته شرطًا لصرف التمويل، وهو تحول جذري في فلسفة الإنفاق العمومي على التعليم.

3. التمويل الإضافي (P179637) – تسريع الإصلاح

في عام 2023، قدّم البنك الدولي تمويلًا إضافيًا بقيمة 200 مليون دولار لدعم وتسريع تنفيذ الإصلاحات، خصوصًا في ما يتعلق بتقليص فقر التعلّم وتعويض خسائر التعليم الناتجة عن جائحة كوفيد-19.

جاء في الوثيقة الرسمية:
“يهدف هذا التمويل الإضافي إلى تعزيز الإصلاحات البنيوية الجارية في النظام التعليمي المغربي، وتسريع النتائج في مجال تحسين التعلمات الأساسية، ولا سيما مهارات القراءة المبكرة.”
(World Bank, Education Support Program – Additional Financing, P179637, 2023, p.6)

يركّز هذا التمويل الجديد على مكونين رئيسيين:

  1. تسريع تعميم التعليم الأولي ذي الجودة في المناطق القروية.
  2. تحسين أداء المدارس الابتدائية عبر آلية “التمويل من أجل النتائج” المبنية على مؤشرات دقيقة.

هذا البرنامج الإضافي مكّن المغرب من تعزيز التجريب الميداني لمشروع المؤسسة الرائدة وتوسيعه تدريجيًا ليشمل أقاليم جديدة.

4. مشروع “Foundational Learning Compact (FLC)” – الدعم الفني والمؤسساتي

إلى جانب التمويل المالي المباشر، يستفيد المغرب من برنامج Foundational Learning Compact الذي يقدمه البنك الدولي بالتعاون مع شركاء دوليين (اليونيسف، اليونسكو، GPE).
يهدف هذا البرنامج إلى توفير الدعم التقني للحكومات في تحسين التعلمات الأساسية (Foundational Learning)، خاصة في القراءة والحساب والتفكير النقدي.

من خلال هذا الإطار، تمّ دعم وزارة التربية الوطنية المغربية في:

  • تطوير أدوات تقييم وطنية موحدة للتعلمات.
  • إدماج مؤشرات فقر التعلّم في منظومة تتبع الأداء.
  • تصميم مناهج مبسطة تراعي القدرات القرائية للتلاميذ في السنوات الأولى.

بهذا الشكل، أصبح التمويل الدولي في المغرب منظومة متكاملة تضم القروض (P167619 – P179637)، والدعم الفني (FLC)، والمواكبة التقنية عبر بعثات دورية للبنك الدولي.

ثالثًا: آليات التمويل في إصلاح التعليم المغربي

1. من القروض البنكية إلى تمويل قائم على الأداء

يمثّل التمويل في إطار برامج البنك الدولي نقلة نوعية من حيث فلسفة التدبير المالي.
فبدل منح قروض استثمارية تقليدية تُصرف في التجهيز والبناء، أصبح التمويل مشروطًا بالنتائج التعليمية.
وهذا يعني أن صرف كل دفعة مالية مرتبط بتحقيق أهداف محددة مسبقًا، تُعرف باسم مؤشرات الصرف المرتبطة بالأداء (DLIs).

في حالة المغرب، تم تحديد مؤشرات دقيقة تشمل:

  • تحسين نتائج التلاميذ في القراءة والفهم في الصف الثالث الابتدائي.
  • زيادة نسبة المؤسسات التي تطبّق مشروع المؤسسة.
  • تطوير نظام تقييم وطني للتعلّم في السنوات الأولى.
  • ارتفاع نسبة المعلمين المستفيدين من التكوين الميداني.

وجاء في وثيقة البنك الدولي (2019):
“التمويل لن يُصرف إلا بعد تحقق نتائج قابلة للقياس، ما يجعل البرنامج أداة للمساءلة والتحفيز في آن واحد.”
(World Bank, Program Appraisal Document – P167619, p.12)

هذا النموذج المالي جعل من التمويل وسيلة إصلاحية بيداغوجية، إذ أصبح التعلم نفسه معيارًا للنجاح المالي للمؤسسة.

2. نظام مؤشرات الأداء (DLIs) في التعليم الابتدائي

يتضمن نظام الـDLIs مجموعة من المؤشرات الكمية المرتبطة مباشرة بعملية التعلم.
على سبيل المثال:

  • DLI 1: ارتفاع معدل القراءة المبكرة بنسبة 10٪ على الأقل سنويًا في المدارس المشاركة.
  • DLI 2: تعميم مشروع المؤسسة في جميع المديريات الإقليمية.
  • DLI 3: تكوين 100٪ من المعلمين في مقاربة القراءة والفهم.
  • DLI 4: إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتقييم التعلمات.

كلّما تحقق مؤشر، تصرف دفعة مالية تتراوح بين 50 إلى 100 مليون دولار حسب المرحلة.
هذا يعني أن التمويل لا يُعتبر منحة مجانية، بل مكافأة على الأداء الميداني.

3. مراقبة التنفيذ المالي والتربوي

تُشرف على تنفيذ البرنامج لجنة وطنية تضم:

  • وزارة التربية الوطنية (الشق البيداغوجي).
  • وزارة الاقتصاد والمالية (الشق المالي).
  • البنك الدولي (المواكبة التقنية والمراقبة).

يتم رفع تقارير نصف سنوية إلى البنك الدولي تتضمن تقييمًا للتقدّم في مؤشرات الأداء.
وفي حال لم يتحقق هدف معيّن، يتم تأجيل صرف الدفعة إلى غاية بلوغ النتائج المطلوبة.

ويشير تقرير البنك الدولي (2023):
“المغرب أظهر التزامًا قويًا بآلية التمويل المرتبط بالنتائج، إذ تمكّن من تحقيق ثلاثة مؤشرات صرف رئيسية في أقل من سنتين.”
(World Bank, Education Support Program Additional Financing, p.9)

رابعًا: مشروع المؤسسة الرائدة – من التجريب إلى التمكين

1. النشأة والأهداف

تم إطلاق مشروع المؤسسة الرائدة (École Pionnière) سنة 2022 ضمن مكوّن “تحسين التعلمات الأساسية” من برنامج P167619.
يُعتبر المشروع بمثابة “مختبر ميداني” لتطبيق فلسفة التمويل بالأداء على مستوى المدرسة.

أهداف المشروع هي:

  • تمكين التلميذ من القراءة والفهم في السنوات الأولى.
  • جعل المدرسة وحدة تمويل ومساءلة تربط الأداء بالتحفيز.
  • إرساء نموذج بيداغوجي جديد قائم على “التعلم النشط”.
  • دعم استقلالية المدرسة في التدبير المالي والتربوي.

تقول وثيقة البنك الدولي (2024):
“مشروع المؤسسة الرائدة يشكل نواة النظام الجديد للحكامة التربوية في المغرب، حيث يتم تقييم المؤسسة على أساس نتائج تعلم التلاميذ.”
(World Bank, Morocco Education Progress Note, 2024, p.7)

2. البيداغوجيا المنظمة (Structured Pedagogy)

يرتكز المشروع على مقاربة “البيداغوجيا المنظمة”، وهي نموذج متكامل يجمع بين المناهج، والأدوات التعليمية، والتكوين، والتقييم.
تشمل هذه المقاربة:

  • مناهج مبسطة تراعي المستوى الفعلي للتلاميذ.
  • خطط دروس واضحة للمعلمين مع أهداف يومية محددة.
  • أدوات تقييم قصيرة دورية لقياس الفهم القرائي.
  • حصص دعم موجهة للتلاميذ المتعثرين.

وقد أثبتت الدراسات أن تطبيق هذه المقاربة أدى إلى تحسن بنسبة 20٪ في نتائج القراءة داخل المدارس الرائدة.

3. تكوين المعلمين وبناء القدرات

يشكل تكوين المعلمين محورًا أساسيًا في المشروع، إذ تم اعتماد مقاربة ميدانية جديدة تجمع بين:

  • التدريب العملي داخل القسم.
  • الزيارات الميدانية والمرافقة الفردية من المفتشين.
  • استعمال أدوات رقمية لتتبع أداء المعلمين.

تمّ تدريب آلاف المعلمين في مجالات:

  • القراءة المبكرة باللغة العربية.
  • التقويم التكويني المستمر.
  • طرق التعليم النشط والتفاعل مع التلاميذ.

ويؤكد البنك الدولي في تقريره (2022):
“تحسين أداء التلاميذ يمر أولاً عبر تحسين أداء المعلم، لأن القسم هو محور كل إصلاح تعليمي.”
(World Bank, Foundational Learning Compact, 2022, p.15)

4. نظام التمويل داخل المؤسسة

في إطار المشروع، أصبحت المدرسة تتلقى منحة أداء (Performance Grant) تصرف سنويًا بناءً على خطة عمل واضحة.
تشمل هذه المنحة تمويل أنشطة مثل:

  • دعم القراءة والحساب.
  • تنظيم حصص تقويم فردي.
  • أنشطة تربوية خارج الصفوف.
  • اقتناء أدوات تعليمية بسيطة.

يُشرف المدير والمجلس التربوي على تدبير هذه المنحة، ويُرفع تقرير مفصل إلى الأكاديمية الجهوية، التي تربط المنحة بمستوى التقدم في مؤشرات الأداء.

خامسًا: التقاطعات بين المؤسسة الرائدة والمشاريع الممولة من البنك الدولي

1. وحدة الأهداف بين المشاريع

تتقاطع مشاريع البنك الدولي في المغرب ضمن رؤية واحدة تقوم على:

“تعليم ابتدائي ذي جودة يضمن تعلمات أساسية لكل تلميذ.”

وهذا ما يجمع بين:

  • P167619: تحسين التعلمات وتعميم التعليم الأولي.
  • P179637: تسريع النتائج ومواصلة الإصلاح.
  • FLC: الدعم التقني وبناء القدرات.
  • مشروع المؤسسة الرائدة: التجريب الميداني وربط الأداء بالتمويل.

فكل هذه المشاريع تسعى لتقليص فقر التعلّم من 60٪ سنة 2020 إلى 40٪ سنة 2028.

2. ترابط مالي وبيداغوجي

  • من الناحية المالية: تُموَّل المؤسسة الرائدة مباشرة ضمن مكوّن “تحسين جودة التعلمات” في برنامج P167619.
  • ومن الناحية البيداغوجية: تُطبّق المقاربات والتوصيات الواردة في Foundational Learning Compact حول التعليم المبكر والقراءة.
  • ومن الناحية الحكاماتية: تعتمد المؤسسة الرائدة على نفس آلية مؤشرات الأداء (DLIs) التي تربط التمويل بالنتائج.

هذا التكامل يجعل من المشروع نموذجًا مصغّرًا للمنظومة الوطنية الجديدة، حيث تتلاقى فيه الأبعاد المالية، والتربوية، والتقويمية.

3. النتائج الأولية والتقييم المستمر

وفقًا لتقرير البنك الدولي (2024):

“المدارس الرائدة أظهرت ارتفاعًا ملحوظًا في نتائج القراءة والفهم، وتحسنًا في بيئة التعلم داخل الأقسام.”
(World Bank, Morocco Education Progress Note, 2024, p.10)

ومن أبرز النتائج:

  • تحسن مستوى القراءة بنسبة 12–15 نقطة مئوية.
  • انخفاض معدل التكرار في السنوات الأولى بنسبة 8٪.
  • ارتفاع مستوى رضا التلاميذ والمعلمين والأسر.

هذه النتائج شجّعت الوزارة على توسيع تجربة المدارس الرائدة إلى أكثر من 2000 مؤسسة بحلول سنة 2025.

سادسًا: التحليل المالي والسياسي للإصلاح

1. التمويل كأداة للحكامة

أبرز ما يميز النموذج المغربي هو أن التمويل لم يعد هدفًا في حد ذاته، بل وسيلة لضمان الحكامة والشفافية.
فالمؤسسة التعليمية أصبحت مسؤولة ماليًا وتربويًا في الوقت ذاته، حيث تُربط الميزانية بالأداء وتقييم النتائج.

2. بين السيادة الوطنية والشراكة الدولية

يُظهر التعاون مع البنك الدولي أن التمويل الخارجي لا يعني بالضرورة “إملاءات”، بل يمكن أن يشكّل شراكة استراتيجية لتقوية الإصلاحات الوطنية.
إذ تتقاطع أهداف البنك الدولي (تحسين التعلم وخفض الفقر التعليمي) مع الرؤية الاستراتيجية 2015–2030 والقانون الإطار 51.17، اللذين يؤكدان على جودة التعلمات كأساس لإصلاح المدرسة المغربية.

3. تحديات الاستدامة

رغم النتائج الإيجابية، يواجه التمويل الموجّه بالنتائج تحديات مثل:

  • تفاوت القدرات بين الأكاديميات الجهوية.
  • الحاجة إلى موارد بشرية مؤهلة لتتبع المؤشرات.
  • خطر التركيز المفرط على الأرقام بدل جودة الممارسات الصفية.

غير أن هذه التحديات تبقى قابلة للمعالجة ضمن إطار الحكامة الجديدة التي تجعل من التلميذ محورًا لكل إصلاح.

خاتمة

لقد غيّر التعاون بين المغرب والبنك الدولي طريقة التفكير في تمويل التعليم.
فلم يعد التمويل يُقاس بعدد المدارس أو حجم القروض، بل بمقدار ما يضيفه من تعلم فعلي للتلميذ.

من خلال برنامج دعم التعليم (P167619) وآلية التمويل من أجل النتائج (PforR)، ثم عبر مشروع المؤسسة الرائدة، انتقل النظام التربوي المغربي إلى مرحلة جديدة تقوم على ربط التمويل بجودة التعلمات، وجعل المدرسة فضاءً للمساءلة والتحفيز والابتكار.

كما ورد في تقرير البنك الدولي (2024):
“التمويل من أجل التعلّم لا يُقاس بالمبالغ المصروفة، بل بعدد التلاميذ الذين أصبحوا قادرين على القراءة والفهم بثقة.”
(World Bank, Education Support Program Progress Report, 2024

إنّ الرهان الأكبر اليوم هو تحويل تجربة المدرسة الرائدة من نموذج تجريبي إلى سياسة وطنية معمّمة، تجعل من كل مدرسة مغربية “مؤسسة رائدة” في تحقيق العدالة التعليمية وجودة التعلمات.

في النهاية، كل درهم يُستثمر في التعليم يجب أن يُترجم إلى تلميذ يقرأ ويفهم ويفكر.

الكاتب
الكاتب